دفاعاً عن زوجتي: الوجه الآخر للعنف الجنسي في الصومال

هالة الكارب

محي الدين محمد شيخ أحد الرجال القلائل الذين وقفوا في وجهالذين وقفوا في وجه العنف الجنسي في الصومال وذلك حين إغتصبت زوجته في غيابه داخل منزلهم. قصة قامت بسردها الأستاذة هالة الكارب بغرض الكشف عن الجوانب المخفية للعنف الجنسي في الصومال؛ آملة أن يكون موقف محي الدين هو ديدن الرجال في هذه المجتمعات.

تقول هالة الكارب “لقد عملت في منطقة القرن الأفريقي مع النساء من درافور وحتى الساحل الصومالي لأكثر من عشر سنوات؛ مع ذلك فقد أدهشني الموقف الشجاع لمحي الدين، أحد النازحين الصوماليين في مقديشو”.

في مطلع يناير 2013 ، تعرضت لول علي عثمان زوجة محي الدين ذات السبعة وعشرين عاماً للإغتصاب الجماعي من قبل قوات الأمن التابعة للحكومة الصومالية؛ ولكنها كانت من الشجاعة بحيث خرجت على الملأ كاشفةً قصة إغتصابها في حوار صحفي أجراه الصحفي عبد العزيز إبراهيم، ولكن قبل أن ينشر الحوار قبضت إحدى المحاكم الصومالية على لول وعبد العزيز في منتصف يناير 2013 وحكمت عليهما بالسجن لمدة عام. كانت التهمة التي وُجِهت إلى لول هي الإساءة إلى مؤسسة حكومية وإشانة سمعتها بقصة مفبركة، بينما حُوكِم الصحفي عبد العزيز بتهمة الإساءة إلى أجهزة الدولة. تعرضت لول أثناء إحتجازها إلى يومين من التحقيق المروّع دون أن يسمح لها بالإستعانة بمحامِ ليدافع عنها كما تقتضي أصول العدالة. إثر ذلك قوبل موقف الحكومة الصومالية بالشجب والإستنكار من قبل المجتمع الدولي مما أثمر عن تراجعها عن الأحكام التي أصدرتها في حق لول والصحفي عبد العزيز، ومن ثَمّ أسقطت التهم ضدها في 3 مارس. في حين تم في البدء تخفيض الأحكام الصادرة في حق عبد العزيز إلى النصف، ثم أسقطت لاحقاً وأفرج عنه.

إحترام واجب الإستحقاق

على الرغم من كل الإهتمام والتغطية التي صاحبت الحادثة، إلا أنه لم يذكر سوى القليل جداً في حق محي الدين، زوج الناجية لول. فقد عرّضه إصراره على أن زوجته قد تم إغتصابها للإعتقال والترويع من قبل أجهزة الأمن لمدة 26 يوماً. وكما شهد لاحقاً أن موقفه ثابت وأنه سيقول دائماً نفس الشئ متى ما تكرر ذات الموقف. بالنسبة لي كناشطة نسوية تعمل منذ سنين طويلة لدفع عجلة التغيير الإجتماعي المطلوب، لم يكن ممكناً أن يمر موقف محي الدين دون أن ألحظه. فعندما جلست للحديث معه في مقديشو في مارس الماضي، لم

قضايا العنف الجنسي في الصومال عبء على الرجال والنساء؛ فإغتصاب النساء والفتيات يقابل بتجاهل متعمّد وتُضفى عليه حصانة لا شك أنّ لها تداعيتها المدمرة على المجتمع كافة. إنها تخلق مجتمعات ممحونة، وتجهض في ذات الوقت أيّة محاولة للتعايش السلمي.

أملك إلا الإحترام والتقدير لشخص يعيش في ظروف بالغة الصعوبة ومع ذلك فإن إحساسه بالعدالة لم يتزعزع رغم الواقع القاسي. فالذي لاحظته أن محي الدين لم يكن قط في شك من أمر زوجته وكان بذات القدر مدركاً لآلامها ومعاناتها. “إنني فقط أدافع عن زوجتي “ذلك ما ظل يردده. “لقد تم إذلالي لأنني بلغت عن حادثة إغتصاب زوجتي. لقد كانوا دائماً ما يذكرونني أن زوجتي من قبيلة أقل قدراً وبالتالي لا تستحق دفاعي عنها”. هذا ما ذكره محي الدين أثناء حديثي معه.

رجال آخرون إختاروا الوقوف ضد العنف الجنسي

هناك نفر آخر من الرجال ممن وقفوا موقف محي الدين مفضلين الوقوف بجانب زوجاتهم، بناتهم وأمهاتهم ضد العنف الجنسي في الصومال. ففي حادثة أخرى، رفض أحد الرجال الإرتها للإرهاب أو أخذ مال مقابل التنازل عن الإبلاغ عن حادثة إغتصاب إبنته ذات الثلاثة عشر ربيعاً. حادثة أخرى تعرض فيها شخص إلى السجن لمدة إسبوع لأنه أبلغ عن تعرض إبنته ذات الست أعوام للإغتصاب، ورفض التنازل عن القضية رغم الضغوط التي مُورِست عليه. قضايا العنف الجنسي في الصومال عبء على الرجال والنساء؛ فإغتصاب النساء والفتيات يقابل بتجاهل متعمّد وتُضفى عليه حصانة لا شك أنّ لها تداعيتها المدمرة على المجتمع كافة. إنها تخلق مجتمعات ممحونة، وتجهض في ذات الوقت أيّة محاولة للتعايش السلمي.

الصومال عاشت في خلال العشرين سنة الماضية نزاعات مسلحة مزمنة، تزامن معها تنامي وإنتشار مليشيات الإسلام السياسي التي تطرح نفسها كمنقذ وهوية بديلة لأهل الصومال. إحتقار النساء كسلوك سائد مصحوباً بإستقطاب واسع خلفته الحرب الطويلة أدى إلى تأسيس أشكال من عصابات الإغتصاب المنظم للنساء والفتيات خصوصاً داخل معسكرات النزوح، حيث تفتقد النساء والفتيات الحماية الكافية. أوضح تقرير رسمي أنه وفي خلال ثلاثة أيام فقط؛ تم التبليغ عن 22 حادثة إغتصاب في معسكر بأحد أحياء مقديشو.

للعدالة وجه واحد

تسود منطقة القرن الأفريقي ظلال من سوء الفهم عندما يتعلق الأمر بالعنف الجنسي، فهو عادة ما يتم ربطه بشكل مربك بالخصوصية الثقافية والتقاليد والدين. مما خلق إنطباعاً ضمنياً أن العنف ضد النساء في هذه المنطقة إنما هو بعض إرث هذه المجتمعات. لا شك أن الثقافة والعشيرة والدين هي بعض أوجه الهوية الصومالية، ولكن لا ينبغي لذلك أن يكون مدعاة لتضييق مفهوم الهوية.

الصراع المزمن، وإنتشار ظاهرة عصابات الإغتصاب في الصومال هو أولاً وأخيراً مؤشر لغياب القانون وإنهيار سلطة الدولة والنظام الإجتماعي التقليدي، أكثر من كونه إرثاً إجتماعياً؛ فالصومال في حاجة ماسة إلى قيادة رشيدة حتى تتمكن من الخروج من هذه الأزمة المعقدة. إن كانت المفارقة التي يعيشها الصومال اليوم تظهر مليشيات الإسلام السياسي كما لو أنها الأيدولوجية الوحيدة الفاعلة. تبقى الحقيقة التي يجب أخذها في الإعتبار أن مفاهيم العدالة والسلام وحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها في المجتمع الدولي، هي رغبة قطاعات كبيرة من
الرجال والنساء داخل البلد.


ترجمه إلى العربية: مصطفى هارون